إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف
شرح كتاب الحسبة لشيخ الإسلام ابن تيمية
21286 مشاهدة
بحث في: الاحتساب في المعاملات المحرمة

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: ويدخل في المنكرات ما نهى الله عنه ورسوله من العقود المحرمة، مثل عقود الربا والميسر، ومثل بيع الغرر وكحبل الحبلة، والملامسة والمنابذة وربا النسيئة وربا الفضل، وكذلك النجش، وهو أن يزيد في السلعة من لا يريد شراءها وتصرية الدابة اللبون وسائر أنواع التدليس.
وكذلك المعاملات الربوية سواء كانت ثنائية أو ثلاثية إذا كان المقصود بها جميعها أخذ دراهم بدراهم أكثر منها إلى أجل.
فالثنائية ما يكون بين اثنين: مثل أن يجمع إلى القرض بيعا أو إجارة أو مساقاة أو مزارعة، وقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع، ولا ربح ما لم يضمن ولا بيع ما ليس عندك قال الترمذي حديث صحيح.
ومثل أن يبيعه سلعة إلى أجل ثم يعيدها إليه، ففي سنن أبي داود عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا .
والثلاثية: مثل أن يدخلا بينهما محللا للربا يشتري السلعة من آكل الربا ثم يبيعها المعطي للربا إلى أجل ثم يعيدها إلى صاحبها بنقص دراهم يستفيدها المحلل.
وهذه المعاملات منها ما هو حرام بإجماع المسلمين مثل التي يجري فيها شرط لذلك، أو التي يباع فيها المبيع قبل القبض الشرعي أو بغير الشروط الشرعية، أو يقلب فيها الدين على المعسر، فإن المعسر يجب إنظاره ولا يجوز الزيادة عليه بمعاملة ولا غيرها بإجماع المسلمين، ومنها ما قد تنازع فيه بعض العلماء، لكن الثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- والصحابة والتابعين تحريم ذلك كله.


بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد يقول شيخ الإسلام: إن هذه الأشياء من المنكرات ولو أصبحت مألوفة عند بعض الناس وفي بعض الأزمنة؛ وسبب نكارتها أنه ضارة بالمجتمع ما نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عنها إلا لما فيها من الضرر ولو حصل فيها نفعا أحيانا لبعض الأفراد ولو تراضى عليها الطرفان؛ وذلك لأن الذي عليه ضرر لو رضي لكان رضاه لأجل ضرورة حلت به؛ فلأجل ذلك لا بد أن تكون المعاملة حسب ما جاءت به الشريعة سليمة من كل غش أو مخادعة أو غرر أو نحو ذلك.
هذه المعاملات التي ذكر مشهورة؛ مشهور النهي عنها، فاشتهر أنه -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع الغرر؛ وهو الشيء الذي لا يعرف؛ يعني سواء الغرر في الثمن أو الغرر في المثمن.
فالغرر في المثمن هو أن يبيع سلعة لمن لم يرها ولم ينظر فيها ولم يدرِ ما هي، فإنها قد تكون رديئة فيكون مغبونا وقد تكون جيدة فيغبن البائع، وفي ذلك أيضا ضرر.
وكذلك أيضا مثل بيع الملامسة والمنابذة وحبل الحبلة؛ وهي أمور ورد النهي الصريح عنها عن التعامل بها، ومثلوا لها بأمثلة معروفة.
كذلك أيضا مثل النجش الذي ورد النهي عنه؛ فسره كما سمعنا بالذي يزيد في السلعة وهو لا يريد شراءها إما لنفع البائع بزيادة الثمن، وإما لضرر المشتري بتحميله أكثر مما تستحق؛ فيكون بذلك ظالما لأحدهما وموقعا الثاني في الظلم، والأدلة على ذلك مشهورة.
وكذلك أيضا ما ورد النهي عنه من هذه الأشياء التي في الحديث أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا ربح ما لم يضمن، ولا بيع ما ليس عندك وهذه أيضا بيوع منهي عنها، ومشهورة في كتب الفقه ومبين صورها وأمثلتها، وإن كان قد اختُلف في بعضها في كيفيتها، وأهمها قوله: لا يحل سلف وبيع ويريد بالسلف هاهنا القرض، أو يريد به السلم مع البيع، ولعل الحكمة فيه أن القرض يكون على سبيل الإنفاق وهو أن الإنسان إذا أقرض إنسانا ما قصد بذلك إلا الأجر، فإذا قال: ما أقرضك إلا إذا بعتني فاضطر إلى أنه يبيعه أو يؤجره كان في ذلك ضرر على المستقرض؛ يبيع إليك مثلا بحاجة إلى عشرة آلاف تقرضه، فتقول: ما أقرضك العشرة إلا إذا أجرتني بيتك برخص أو سيارتك مثلا أو بعتني شاتك بكذا بثمن بخس؛ فيكون محتاجا إلى ذلك فيبيعها برخص، ويكون السبب أنه محتاج إلى هذا القرض، فيكون هذا القرض جر منفعة.
وكذلك أيضا ذكر أن من المحرمات المعاملات الربوية؛ والمعاملات الربوية كثيرة وأمثلتها مشهورة، ولكنه ذكر منها ما يكون ثنائيا وما يكون ثلاثيا.
فالثنائية من الربويات: التي تكون بين اثنين فقط، وصورة ذلك أن يعطيه دراهم بشرط أن يردها أكثر منها، ويقول: أعطيك ألفا على أن ترد بعد شهر أو بعد شهرين ألفا ومائة وهذا ربا نسيئة، وكذلك أيضا لو أعطاك مثلا صاعين وقال: بشرط أن ترد ثلاثة آصع بعد يومين أو بعد شهرين يسمى هذا أيضا ربا نسيئة.
وكذلك ربا الفضل؛ إذا باع ربويا رديئا بأقل منه ربويا طيبا كتمر بتمر أكثر منه، ويعتبر هذا أيضا ربا فضل.
وهكذا أيضا ذكر مسألة قلب الدين، وقال: إن المعسر إذا كان عليه دين وجب إنظاره لقول الله تعالى: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ أي إنظارا وتأخيرا فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وصفة قلب الدين: أن يكون عنده مثلا عشرة آلاف، فيقول له صاحبها: أنا أبيعك سلعة بعشرة آلاف، ولا يعني ثمنها عشرة أبيعكها باثني عشر على أن تبيعها وتوفيني العشرة الأولى؛ عندك لي عشرة آلاف، خذ هذه السيارة التي قيمتها عشرة آلاف أكتبها عليك باثني عشر، فبعها ثم أعطني العشرة الأولى، هذا يسمى قلب الدين، وهو بلا شك ربا؛ وذلك لأن عليه عشرة أصبحت اثني عشر.
ولعل أيضا بذلك فسر الحديث الذي ذكره وهو قوله -صلى الله عليه وسلم- من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا بيعتين في بيعة صورة ذلك ما ذكرنا أن تقول مثلا: هذه السيارة أبيعكها باثني عشر ألفا دينا ويكتب عليه لك اثنا عشر ألفا دينا تحل بعد سنة، ثم تقول: أشتريها منك بعشرة نقدا فتدفع له عشرة، وترجع إليك سيارتك ويبقى لك في ذمته اثنا عشر، وكأنك أعطيته العشرة باثني عشر وصارت السيارة أو السلعة حيلة للربا، وتسمى هذه مسألة العِينة.
سئل ابن عباس عن رجل باع حريرة بمائة غائبة ثم اشتراها بثمانين حاضرة، فقال: دراهم بدراهم دخلت بينهم الحريرة أي أنه جعل هذه الحريرة عينة في أن أعطاه ثمانين وكتبها في ذمته بمائة فهي دراهم بدراهم أكثر منها.
وكذلك لو جعلوا بينهم ثالثا؛ لو كانوا ثلاثة وهو بيع الثلاثي الذي أشاروا إليه وهذا أيضا يحدث كثيرا، والواجب أن المعسر لا يشدد عليه.
صورة ذلك: إذا كان لك دين على زيد فحل وهو معسر، ذهبت معه إلى عمرو وقلت له: اشتر من عمرو، وبع وأوفني بدين، فباعه عمرو مثلا سلعة مثلا بألف دينا وباع تلك السلعة بثمانمائة نقدا وأوفاه، فهاهنا مثلا المستدين والحامل له وصاحب الدين، الواجب الإنظار والتأخير وعدم التشديد.
فالحاصل أن مثل هذه الأشياء تعتبر من المنكرات، والواجب إذا انتشرت أن يظهر الناس نكارتها وأن ينهوا عنها، وأن لا يتعاطوا شيئا من البيوع المحرمة التي نهى الله تعالى عنها وبيّن النبي -صلى الله عليه وسلم- سبب النهي؛ وهو ما فيها من الضرر وصرح بنفي الضرر بقوله: لا ضرر ولا ضرار وبقوله: من ضار مسلم ضره الله، ومن شق على مسلم شق الله عليه هذا مناسبته أن هذه من المنكرات، وأن الواجب على المسلم أن يبتعد عنها، وأن من علم بها عليه أن ينكرها وينصح أهلها.